الشيخ عبد العزيز عبد الله بن باز««

Published on 23 January 2025 at 13:04

فضل صلاة التروايح

 

 

فضل صلاة التروايح

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.:

 

فحديثي فيما يتعلق بصلاة التراويح، ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكان عليه الصلاة والسلام يرغب أصحابه في قيام رمضان ولا يؤمرهم فيه بعزيمة، ولكن كان يحثهم على ذلك ويرغبهم فيه عليه الصلاة والسلام، ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الله فرض عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه، فمن صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكان عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه عدة ليالي في مسجده ثم ترك ذلك، وقال: إني أخاف أن تفرض عليكم صلاة الليل فدل على أنه إنما ترك ذلك مخافة أن تفرض عليهم صلاة الليل فيشق عليهم ذلك، فلما توفي عليه الصلاة والسلام وجاء دور الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه بعد وفاة الصديق جمع الناس على إمام واحد، وهو أبي ، أبي بن كعب فصلى بالناس في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة التراويح، وكان الناس يصلونها في عهد النبي ﷺ وفي عهد الصديق أوزاعا، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل معه الرجلان والثلاثة، فجمعهم عمر رضي الله عنه وأرضاه على إمام واحد، وكان يصلي بهم رضي الله عنه وأرضاه في أول الليل، ومر عليهم عمر ذات ليلة ورأى الناس يصلون خلفه فسرّه ذلك وقال: "نعمت هذه البدعة" فظن بعض الناس أن التراويح بدعة، وهذا غلط، لم يرد  أنها بدعة، ولكن أراد أن جمعهم على إمام واحد لما كان بعد النبي ﷺ سماه بدعة من حيث اللغة العربية، وإلا فهو سنة، جمع الناس على إمام في رمضان سنة فعلها النبي ﷺ، فإنه فعلها عدة ليالي عليه الصلاة والسلام، ولكن ترك ذلك خوف أن تفرض على الناس صلاة الليل فلا يطيقونها، فلما توفي ﷺ انقطع الوحي وأمن الفرض فلهذا فعل ذلك عمر ، فهي سنة مؤكدة فعلها نبينا ﷺ، ثم فعلها المسلمون في عهد عمر وبعده، فدل ذلك على أنها سنة بقول النبي وفعله عليه الصلاة والسلام.

 

وأما قوله فقوله ﷺ: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وقوله ﷺ: إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فهذا يدل على شرعية التراويح وأنها سنة مؤكدة، وأنها تفعل جماعة في أول الليل، هذا هو مقتضى الأحاديث وفعل النبي ﷺ وفعل الصحابة ، وكان عليه الصلاة والسلام في الغالب يصلي إحدى عشرة ركعة في رمضان وفي غيره، كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا"، وفي لفظ عنها في الصحيحين قالت: "كان يصلي عشر ركعات يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة"، وفي رواية عنها: "أنه كان يصلي ثلاثة عشرة" وجاء هذا ... عن ابن عباس وزيد بن خالد : أن النبي ﷺ كان يصلي من الليل ثلاث عشرة، وكل سنة، وثبت عنه ﷺ أنه كان يصلي في بعض الليالي تسع ركعات، وفي بعضها سبع ركعات، وفي بعضها أقل من ذلك، وبهذا يعلم أن التطوع في الليل أمر موسع، وأنه لا حرج على من صلى في رمضان أو في غيره إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثة عشرة ركعة، أو عشرين ركعة، أو أكثر من ذلك، فالأمر في هذا واسع بحمد الله، وهذا هو معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم والتحقيق، ومن زعم أنه لا تجوز الزيادة على إحدى عشرة ركعة أو على ثلاثة عشرة ركعة فقد غلط وأخطأ، فإن الرسول ﷺ لم ينه عن الزيادة، وربما ترك الفعل وهو يحب أن يفعله رفقا بالأمة لئلا يشق عليها عليه الصلاة والسلام.

 

وقال عليه الصلاة والسلام: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى، ولم يحد حدا في صلاة الليل عليه الصلاة والسلام لا في رمضان ولا في غيره، بل أخبر عليه الصلاة والسلام أن صلاة الليل مثنى مثنى وهذا يعم التراويح وغيرها، ويعم رمضان وغيره، ولم يقل صلاة الليل إحدى عشرة ركعة ولا ثلاثة عشرة ركعة، ولم يقل صلاة الليل في رمضان كذا وكذا، فدل ذلك على التوسعة في ذلك، وقول النبي ﷺ أقوى من الفعل، وأعم من الفعل، لأن الفعل يحتمل احتمالات كبيرة، قد يكون فعله ﷺ حين قصر على إحدى عشرة ركعة للرفق بالناس وخوف المشقة عليهم، وقد يكون فعله لأسباب أخرى، منها بيان التوسعة في الأمر، ولهذا صلى ثلاثة عشرة ركعة وصلى سبع ركعات وصلى تسع ركعات، فإذا كان الأمر هكذا علم أن اقتصاره ﷺ في غالب الأحوال على إحدى عشرة ركعة لا يدل على التقيد بذلك، وأنه لا يجوز غيرها، بل هذا يدل على أن هذا هو الأفضل لما فيه من الرفق، ولاسيما في حق من راعى طول القيام والركوع والسجود كفعله عليه الصلاة والسلام، وإذا أحب أن يخفف بعض التخفيف وجعلها عشرين أو ثلاثين مع الوتر أو أكثر من ذلك فلا حرج في ذلك لعموم قوله ﷺ: مثنى مثنى فإن معناه يدل على أنه لو صلى عشرين أو ثلاثين مثنى مثنى فلا حرج في ذلك، بل هو سنة وقربة، ولكن يختم بالوتر، فينبغي أن يعلم هذا.

 

وينبغي لأهل العلم والإيمان أن يوضحوا ذلك حتى يكون المسلمون على بصيرة في هذه السنة، وينبغي للمؤمن في هذه الحال أن يعنى بترتيل القراءة والخشوع في القراءة، والخشوع في الركوع والسجود والطمأنينة، لأن بعض الناس في التراويح يصلي صلاة لا يعقلها بل ينقرها نقرا، ويقرأ قراءة لا تعقل ولا تفهم من العجلة، فلا يجوز هذا بل هذا منكر، والواجب على المؤمن أن يتحرى فعل النبي ﷺ الذي فيه التأسي به والعناية بما يصحح الصلاة ويحفظ عليه حقيقتها وما شرع الله فيها، أما العجلة والنقر فذلك من المنكرات التي لا تجوز لا في الفريضة ولا النافلة، لا في التراويح ولا في غيرها، والمشروع للمؤمن دائما أن يتحرى الأكمل والأفضل في صلاته وفي سائر أفعاله، والصلاة هي عمود الإسلام، وهي أول شيء يحاسب عنه العبد يوم القيامة، فالواجب أن يعنى بصلاته عن الفريضة وأن يحافظ عليها وأن يطمئن فيها، وهكذا النافلة يشرع له أن يطمئن فيها، بل يجب أن يطمئن فيها وألا ينقرها نقرا، فإن الصلاة التي تنقر لا صحة لها ولا يجوز فعلها، بل يجب أن يطمئن في صلاته كلها فرضها ونفلها حسب ما جاء في الشريعة المطهرة، وقد رأى النبي ﷺ شخصا يصلي ولم يطمئن في صلاته فأمره أن يعيد الصلاة، فدل ذلك على أن الطمأنينة أمر مفترض في الفرض والنفل، فالواجب على أئمة المساجد وعلى كل من يصلي بالناس بل على مسلم أن يطمئن في صلاته فرضها ونفلها، وأن يحذر ما حرم الله عليه من النقر والعجلة وسرق الصلاة، وإن عدم الطمأنينة سرقة للصلاة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته قيل: يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها. فعليك يا عبدالله أن تعنى بصلاتك، وأن تطمئن فيها، وأن تخشع فيها لله ، سواء كانت فريضة أم نافلة، وأن توجه الناس إلى الخير، وأن ترشدهم إلى ما يرضي الله ، وأن تنبه من غلط وأخطأ، وأن تكون أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر، مؤديا لحق الله في نفسك ومع غيرك من إخوانك.

 

وأسأل الله  أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يرزقنا التأسي به عليه الصلاة والسلام على الوجه الذي يرضيه ويوجب إحسانه وفضله ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.


حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فلا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد ﷺ، وعلى عظم منزلته عند الله ، كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة، وعلى علوه  على جميع خلقه، قال الله : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1]

وتواتر عن رسول الله ﷺ أنه عرج به إلى السماء، وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة، فكلمه ربه سبحانه بما أراد، وفرض عليه الصلوات الخمس، وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة، فلم يزل نبينا محمد ﷺ يراجعه ويسأله التخفيف، حتى جعلها خمساً، فهي خمس في الفرض، وخمسون في الأجر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فلله الحمد والشكر على جميع نعمه.الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي ﷺ عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي ﷺ وأصحابه  لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء

وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي ﷺ عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها؛ لأن النبي ﷺ وأصحابه  لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء ولو كان الاحتفال بها أمرًا مشروعاً لبينه الرسول ﷺ للأمة، إما بالقول وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر، ولنقله الصحابة  إلينا، فقد نقلوا عن نبيهم ﷺ كل شيء تحتاجه الأمة، ولم يفرطوا في شيء من الدين، بل هم السابقون إلى كل خير، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعاً لكانوا أسبق الناس إليه، والنبي ﷺ هو أنصح الناس للناس، وقد بلغ الرسل غاية البلاغ، وأدى الأمانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الله لم يغفله النبي ﷺ ولم يكتمه، فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أن الاحتفال بها، وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها، وأتم عليها النعمة، وأنكر على من شرع في الدين ما لم يأذن به الله قال  في كتابه المبين من سورة المائدة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] وقال  في سورة الشورى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:21]

وثبت عن رسول الله ﷺ في الأحاديث الصحيحة: التحذير من البدع، والتصريح بأنها ضلالة، تنبيها للأمة على عظم خطرها، وتنفيراً لهم من اقترافها، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وفي صحيح مسلم عن جابر  قال: كان رسول الله ﷺ يقول في خطبته يوم الجمعة: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة زاد النسائي بسند جيد: وكل ضلالة في النار وفي السنن عن العرباض بن سارية  أنه قال: وعظنا رسول الله ﷺ موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصانا فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. 

وقد ثبت عن أصحاب رسول الله ﷺ، وعن السلف الصالح بعدهم، التحذير من البدع والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم، وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع، والمصادمة لقول الله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها.

وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة: أعني بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والتحذير منها، وأنها ليست من دين الإسلام في شيء. ولما أوجب الله من النصح للمسلمين، وبيان ما شرع الله لهم من الدين، وتحريم كتمان العلم، رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة، التي قد فشت في كثير من الأمصار، حتى ظنها بعض الناس من الدين. 

والله المسؤول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، ويمنحهم الفقه في الدين، ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه، وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه[1].

من البدع التي تحدث في شهر رجب

السوال: يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات: كصلاة الرَّغائب، وإحياء ليلة (27) منه، فهل لذلك أصل في الشرع؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب: تخصيص رجب بصلاة الرَّغائب أو الاحتفال بليلة (27) منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج، كل ذلك بدعة لا يجوز، وليس له أصل في الشرع، وقد نبَّه على ذلك المحققون من أهل العلم، وقد كتبنا في ذلك غير مرةٍ، وأوضحنا للناس أن صلاة الرغائب بدعة، وهي ما يفعله بعضُ الناس في أول ليلة جمعة من رجب، وهكذا الاحتفال بليلة (27) اعتقادًا أنها ليلة الإسراء والمعراج، كل ذلك بدعة لا أصل له في الشرع، وليلة الإسراء والمعراج لم تُعلم عينها، ولو عُلمت لم يجز الاحتفال بها؛ لأن النبي ﷺ لم يحتفل بها، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه  ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليها.

والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم، كما قال الله : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100]، وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ متفق على صحته.

وقال عليه الصلاة والسلام: مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ أخرجه مسلم في "صحيحه".

ومعنى فهو ردّ أي: مردود على صاحبه.

وكان ﷺ يقول في خطبه: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة[1] أخرجه مسلم أيضًا.

فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنة والاستقامة عليها والتواصي بها، والحذر من البدع كلها عملًا بقول الله : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، وقوله سبحانه: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ۝ [العصر:1-3]، وقول النبي ﷺ: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم[2] أخرجه مسلم في "صحيحه".

أما العمرة فلا بأس بها في رجب؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ اعتمر في رجب. وكان السلف يعتمرون في رجب، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه (اللطائف) عن عمر وابنه وعائشة  ونقل عن ابن سيرين أن السلف كانوا يفعلون ذلك. والله ولي التوفيق[3].

رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1435)، والنسائي في (العيدين) برقم (1560).

رواه مسلم في (الإيمان) برقم (55).

نشرت في مجلة الدعوة، العدد رقم (1566) في جمادى الآخرة 1417هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 11/ 427).

 

بيان البدع التي تقع في رجب

 

أيها الإخوة في الله: إن رجب كما قال الشيخان فيها بدع، وهكذا جميع السنة، وفي كثير من الدول نشاط كبير في البدع، بأسباب أهل التصوف وضعفاء العلم وضعفاء البصيرة، زين لهم الشيطان البدع حتى حبذوها، وزينوها للناس، ووقع فيها الكثير من الناس عن جهل وقلة بصيرة، ومن ذلك ما أشار إليه الشيخان من بدعة صلاة الرغائب في رجب، صلاة الرغائب صلاة يصلونها في أول جمعة من رجب، أول ليلة جمعة من رجب يصلون صلاة الرغائب على طريقة خاصة ابتدعها لهم بعض الناس على رأس المائة الرابعة من الهجرة، يعني من نحو ألف سنة، هذه البدعة أي بعد النبي ﷺ بأربعمائة سنة، ابتدعوها وهي من البدع، كذلك البدعتين في آخر الشهر: وهي الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج يسمونها ليلة الإسراء والمعراج، ويزعمون أنها ليلة السابع والعشرين من رجب، ويكون احتفال في بعض البلدان والخطب والاجتماع، وهذا لا أصل له؛ لأن الليلة لم تحفظ، الليلة لا شك أنها واقعة، وقد أسري بالنبي ﷺ إلى البيت المقدس إلى فلسطين مسجد إيلياء، وهو المسجد الأقصى، لكن لم تحفظ الليلة، قال الله جل وعلا: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1]، هذا حق فقد أسري به في الليل، واجتمع بالأنبياء هناك، وصلى بهم، ثم عرج به إلى السماء عليه الصلاة والسلام، وفرض الله عليه الصلوات الخمس في السماء بعدما جاوز السبع الطباق فوق السماء السابعة، كلمه ربه وأوحى إليه خمسين صلاة، ثم لم يزل يطلب ربه التخفيف حتى جعلها سبحانه خمسًا، فهي خمس وهي خمسون، خمس في العمل وخمسون في الأجر، فضلا من الله ، لكن هذه الليلة أنسيها الناس ولم تحفظ، ولم يحتفل بها النبي ﷺ، ولا أصحابه، ولو كان الله شرع لهم العناية بها لما أنسوها، ولما ضيعوها، وهم أحرص الناس على كل خير، ونبينا ﷺ أحرص الناس على كل خير، وهو المبلغ عن الله شرعه، وهكذا أصحابه هم أفضل الناس بعد الأنبياء، هم أعظم الناس حرصًا على السنة والعبادة، ليس هناك من هو أفضل منهم، ولا أحرص منهم بعد الأنبياء رضي الله عنهم وأرضاهم، ونحن لا ندانيهم ولا نقرب منهم في الفضل والعلم والحرص على الخير، وهكذا غيرنا ممن بعدهم، فلو كان الاحتفال بهذه الليلة في سبع وعشرين من رجب أو في غير ذلك لما أهملوه ولما ضيعوه، وجاء من بعدهم الذي هو أقل منهم علمًا وأقل منهم حرصًا على الخير وأقل منهم محبة للشر فيهدى لها بعد ذلك، فلو كان الاحتفال بها مشروعًا لكانوا أسبق الناس إليه، فهم خير منا، وأحرص منا على كل خير، فعلم بذلك أن هذا من البدع التي أحدثها الناس.

 

أما العمرة في رجب فالصواب أنه لا حرج فيها؛ لأنه فعلها عمر رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين، وكان السلف كثير من السلف يعتنون بها، وقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي ﷺ اعتمر في رجب عليه الصلاة والسلام، لكن الصحيح أنه قد وهم في هذا ، فقد عني أصحاب السير والتاريخ بهذا الأمر، وبينوا أن عمره محفوظة، وأنها في ذي القعدة، وهي أربع كلها في ذي القعدة، كما قالت عائشة وأنس وغيرهما، ولكن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر أنه اعتمر في رجب فقد يكون وهم وهو الأرجح، وقد يكون ذلك خفي على غيره.

 

 فالمقصود أن العمرة في رجب لا حرج فيها؛ لأنه جاء في هذا الحديث، وجاء من فعل عمر وكثير من السلف الصالح، فلا حرج في ذلك، ولكن البدع الأخرى لا أساس لها، ولا ....... لها، فلا تصلى صلاة الرغائب، ولا العتيرة وهي الذبيحة في رجب، ولا الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، كل هذا لا أصل له، كل هذا من البدع، وهكذا الاحتفال بليلة النصف من شعبان، كما يأتي بعض الناس في بعض البلدان يحتفل بليلة النصف من شعبان، ويخص يومها بالصيام، وهذا لا أصل له، وهكذا الاحتفال بالموالد: مولد النبي ﷺ، ومولد غيره من الناس، كمولد الحسين، أو مولد علي، أو مولد فاطمة رضي الله عنها، وعن أصحاب النبي ﷺ جميعًا، أو مولد البدوي، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو غيرهم هذا الاحتفال بهذه بالموالد لا أصل له، بل هي من البدع والمحدثات.

 

وقد كتبت في هذا رسائل ثلاث في المولد وبدعة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان، وأيضا كتبت رسالة فيما يتعلق بالوصية المكذوبة التي يزعمون أن خادم حجرة النبي ﷺ كتبها وأوصاه النبي ﷺ بكذا، وأنه من كتبها فله كذا، ومن لم يكتبها فله كذا، كتبنا في هذه المسائل الأربع وطبعت، والغلاف الجامع لها التحذير من البدع، وهي توزع من دار الإفتاء؛ لتبصير الناس بهذه الشرور، والتحذير منها، ومن أرداها وجدها في دار الإفتاء في المستودع توزع.